روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | الجمال الإنساني.. في سلامة الصدر وحب الناس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > الجمال الإنساني.. في سلامة الصدر وحب الناس


  الجمال الإنساني.. في سلامة الصدر وحب الناس
     عدد مرات المشاهدة: 4679        عدد مرات الإرسال: 0

الحب في اللهإن الوصايا الإسلامية بالتبسم وطلاقة الوجه وطيب الكلام اهتمت بأن تخرج هذه الأفعال من صميم القلب، لا عن تصنُّع أو تمثيل أو تكلُّف أو نفاق.

وهنا يفترق الإسلام وتوجيهاته عن غيره؛ لأنه ليس مؤسسة أو شركة ربحيَّة تهتم لكثرة عدد "العملاء"، بل يهتم بانتشار المودَّة والرحمة والسعادة بين الناس.

فضل سلامة الصدر

أخبر رسول الله أن سليم الصدر نقي القلب أفضلُ الناس، فقال حين سُئِل: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ". قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: "هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْيَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ"[1].

الحب في اللهوإن الله يغفر للناس إلا من كان في صدره شحناء لأخيه، بهذا أخبر النبي لما قال: "تُفْتَحُ أبْوابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ ويَوْمَ الخَمْيِسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بينهُ وَبَيْنَ أخِيهِ شَحْناءُ، فَيُقَالُ: أنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا! أَنْظِرُوا هَذَينِ حَتَّى يَصْطَلِحَا"[2].

حتى إن أول الناس دخولاً إلى الجنة، الزُّمرة التي طهرتْ قلوبهم؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : "أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْـجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمْ الأَلُوَّةُ، وَرَشْحُهُمْ الْـمِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الْـحُسْنِ، لاَ اخْتِلافَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا"[3].

وكانت (سلامة الصدر) من وصايا النبي : "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْـحَدِيثِ، وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا إِخْوَانًا"[4].

لقد كان من فطرة الله تعالى في خلقه، أن خلقهم على الجمال ومنه سلامة الصدر {صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88]. ولهذا إذا بقيت الضغائن في النفوس، أتعبتِ النفوس ذاتها.

ذلك ما لاحظه الإمام ابن حزم فتعجب منه فقال: "رأيت أكثر الناس -إلا من عصم الله تعالى وقليل ما هم- يتعجلون الشقاء والهم والتعب لأنفسهم في الدنيا، ويحتقبون عظيم الإثم الموجب للنار في الآخرة بما لا يحظون معه بنفع أصلاً؛ من نيَّات خبيثة يضبون عليها من تمنِّي الغلاء المهلك للناس وللصغار ومن لا ذنب له، وتمنِّي أشد البلاء لمن يكرهونه، وقد علموا يقينًا أن تلك النيات الفاسدة لا تعجل لهم شيئًا مما يتمنونه أو يوجب كونه، وأنهم لو صفُّوا نياتهم وحسَّنوها لتعجلوا الراحة لأنفسهم، وتفرغوا بذلك لمصالح أمورهم، ولاقتنوا بذلك عظيم الأجر في المعاد، من غير أن يؤخِّر ذلك شيئًا مما يريدونه أو يمنع كونه. فأيُّ غبنٍ أعظم من هذه الحال التي نبهنا عليها! وأي سعدٍ أعظم من الذي دعونا إليه"[5].

حب الناس

حب الناس وسلامة الصدروأعظم من سلامة الصدر.. الحب للناس جميعًا. وإننا نبصر هذا في شخصية النبي فوق سلامة الصدر حبّه للناس جميعًا، وهو حب يبدو جليًّا في ألفاظ بلاغته . إنه حين وصف نفسه ومواقف الناس من دعوته قال : "إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَـمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا، فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ وَهُمْ يَقْتَحِمُونَ فِيهَا"[6].

إنه تصوير مؤثِّر، إنها لمعركة.. معركة يحاول فيها النبي دفع الناس عن الوقوع في النار، ولكنهم يغلبونه فيقعون فيها.

 ليست إذن مجرَّد بلاغ، ليست مجرد مهمَّة، ليست مجرد نصيحة.. إنها معركة، النبي يحاول ويأخذ بحُجز الناس، وبعض الناس يغلبونه فيقعون فيها.

 ويروي البخاري أنه كانَ غُلامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: "أَسْلِمْ". فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ. فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ وَهُوَ يَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ"[7].

 ما أعظم هذا النبي !!

 - لما أصيب يوم أُحُد كان يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَقُولُ: "رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ"[8].

 - والذي كان في أصعب يومٍ مرَّ عليه في حياته أرفق على الناس (الكفار) منهم على أنفسهم؛ روت عائشة - رضي الله عنها- أنها قالت لِلنَّبِيِّ : هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: "لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ. فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ. فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الأَخْشَبَيْنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا"[9].

 - النبي الذي شمل حتى الحيوان بهذه العاطفة، حتى صار في العمل الصالح لأي كائن حي (في كل ذات كبد رطبة أجر)؛ فعن أبي هريرة t أن النبي قال:"بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي. فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأ خُفَّهُ مَاءً فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ". قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرًا؟ فقال: "فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ"[10].

 بمثل هذه التوجيهات صَنَع الإسلام (جمال الباطن)، وجعل من الإنسان كائنًا رقيقًا كنسيمٍ ناعم رطيب، ليس للمسلمين ولا للناس، بل للكائنات الحيَّة جميعًا.

 [1] ابن ماجه: كتاب الزهد، باب الورع والتقوى (4216)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (948).

[2] مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن الشحناء والتهاجر (2565).

[3] البخاري: كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (3073)، ومسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر... (2834).

[4] البخاري: كتاب الأدب، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر (5717)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها (2563).

[5] ابن حزم: رسائل ابن حزم 1/341، 342.

[6] البخاري: كتاب الرقاق، باب الانتهاء عن المعاصي (6118)، ومسلم: كتاب الفضائل، باب شفقته على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم (2284).

[7] البخاري: كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام (1290).

[8] البخاري: كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب إذا عرض الذمي بسب النبي ولم يصرح (6530)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب غزوة أحد (1792).

[9] البخاري: كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى (3059)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي من أذى المشركين والمنافقين (1795).

[10] البخاري: كتاب المظالم، باب الآبار على الطرق إذا لم يتأذ بها (2334).

الكاتب: د. راغب السرجاني

المصدر: موقع قصة الإسلام